مقتطعات لذكرى شارع …!

مقتطعات لذكرى شارع …!
مقتطعات لذكرى شارع …!
في السعدونِ ؛
ب ” وسن ” الحانةُ المنزوية
تحت سياجِ سينما أطلس
يُتمتم غازي التكريتي بآخر مشهدٍ للشيخ ضاري
قبل موتهِ بالفيلم ؛
يُصغي لأنفاسهِ حين يدفع بالكلام
مثل صياد حذر
ينهمكُ جلاسهِ بالإصغاء
وكأن الشيخ ضاري يُحدثهم
حتى إن أحدهم تحسس أسفل مقعده
بحثا عن ” مگوارٍ أو فالة “
ليصد غدر الإنگليز عن أذى الشيخِ !
روادَ ” وسنٍ ” أكثر أناقة من رواد الحانات المجاورة
هم يصغون للشيخِ حين يجلدهم بكفاحه
وبقناعةٍ ثملة يؤمنون بأن التاريخ يراودهم !
لكنها حانةٌ منزوية تحت جدار سينما أطلس
يؤمها أحيانا ” خليل ابو الهب “
بهامتهِ الطويلة
ورأسه الضخم الملفوف ” بيشماغٍ ” أحمر
بمعطفٍ عسكري تلمعُ فوق ثقوبه
أزرارا ذهبية من معسكرات الجيش في الشمال
يدفع باب الحانةِ الشبيه بأبواب
حانات عصابات ” الوسترن ” بالغرب الأمريكي !
يتطلع لرواد الحانة بعيني صقر
ثم يبتسم للشيخِ ويقولُ ضاحكا :
“حيا الله شيخ ضاري ” ليدلف مكانا معزولا…!
في السعدونِ ؛
تتبارى الحانات بالمختلفين
ستار خلف
يودع آخِر ركلةِ جزاء
ليفترش رصيف سينما سميرا ميس
بصليل سكرةٍ فائقة
خشيةَ صوت المشجعين ؛
وعبد العالِ
ساحرَ كُرةِ السلّة
يهيمُ بالشارع سكرانا
يتلقفُ الدراهم بمهارة لاعبٍ عتيدِ !
آخرون ممهورونَ بالشعرِ
في بارِ ” قصر الأندلسِ “
يبيعون قصائدهم بقنينة عرق عصرية ؛
يشتريها نصفُ شاعرٍ يتجشأ سرقاتٍ شعرية
يتلوها بمائدةٍ خاوية
على مسامع معجبيه…!
في السعدون ؛
تحفل سينما ” أطلس ” بأخر قفزةٍ من قطارٍ
سريع للممثل ” أميتاب بابا جان “
لينقذ حبيبته من براثن موتٍ بأسنانِ سكك الحديد..؛
وفي ” النجوم “
يفرُ من السجنِ بمهارةٍ ” ستيف ماكوين “
ليتركَ رفيقه ” داستن هوفمان “
يعاشرُ خنزيرا بريا …!
وفي حانةِ ” الحمراء ” يترقبُ اليساريون
العرض الاول لفيلم ” ساكو وفانزيتي “
ليصفقوا طويلا لماركسيَّينِ قُتلا
شنقا بصالةِ ” سميرا ميس ” بمؤامرةٍ إمبريالية..!
في السعدونِ ؛
نزقون يطوفون تحت ” افخاذِ ” سعاد حسني
يتلمسون لحمها الطازجَ ” ببئر الحرمانِ ” …!
وبحماسةٍ
ونزعةٍ ثوريةٍ
يُنددُ المعززون باليسارِ
بفسادِ الأنظمةِ الدكتاتورية
والتضامنِ مع ” ماجدة الخطيب “
برفضها الساطع ب ” زائر الفجر “
بممارسات السلطةِ الدموية ….!
في السعدونِ ؛
تكتظُ الحانات
والصالات
والأزقةِ
واليافطات ؛
بالخائفين
والقلقينَ
والمشردين
وثوار الافلام والشعاراتِ
والمندسين خارج السياقِ ؛
صرعى المظاهرِ
والكلام
والبؤسِ
ضحايا النُبلِ ؛
كُلهم
بأيمانهم
بصخبهم
ونزقهم الفاتنِ
يُحيّونَ صمتَ الشارعِ
قنوطه
تمنعه
بِوابلٍ من ضحكاتهم الوردية …
في السعدون ؛
يجولُ الوقتَ يتيما
متعثرا بجثثِ الكلامِ
والنزوات المنسوجةِ بخيوط الرغبةِ
والاحلام
والرفض
وتلك الأصوات المخنوقة بحبلِ خرس..!
إنهُ شارعٌ
يُشيِّعُ موتهِ بإيقاعِ أغنية مائدة نزهت
” إسألوه لاتسألوني إسألوه ” …!