معالم بغدادية .. سينما غرناطة ( ملامح الجمال )

معالم بغدادية .. سينما غرناطة ( ملامح الجمال )
معالم بغدادية
سينما غرناطة ( ملامح الجمال )
( آشور)صلاح الحسني..في وسط بغداد من جهة الباب الشرقيّ لدار السلام وفي شارع ضيّق نسبيا يؤدي الى ساحة الطيران تقبع سينما غرناطة بصرحها العتيد وتصميمها المعماري الإيطالي ، والتي كانت مقصد المثقفين والباحثين عن افلام راقيّة ثريّة في مضامينها واسلوب اخراجها وحركات ممثليها ومرفأً للاستجمام المريح للحصول على المتعة والفائدة واشباع حاجات الانسان الروحية من خلال الفن
ومع ان بغداد تحفل بالعديد من دور السينما التي تخطت الاربعين دارا ولايكاد حيّ من احيائها او شارع من شوارعها يخلو من صالة سينمائية واحدة على الاقل ، لكن سينما غرناطة تميزت عن غيرها بأنها مهوى النخبة الثقافية الراقية والتي كانت تبحث عن افلام ورقوق سينمائية جديدة ومتميزة تثري عقولنا وتصقل ارواحنا جمالا وتذكّرنا بغرناطة الاندلس وتأريخها الخالد وعلمها الجليل وزهرها الرطيب وشجرها الوارف الذي تخطّى الآفاق حتى وصل هنا الى بغداد احد اغصانها المثقلة بالثمر اليانع الشهي متمثِّلاً بسينما غرناطة.
كان روّاد السينما وخاصة المثقفون منهم يترقبون يوم الاثنين من كل اسبوع للاطلاع على آخر الافلام التي سيتمّ عرضها وكنا نشدّ الرحال الى غرناطة في ذلك اليوم دون ان نعرف ماذا سيعرض لاننا موقنون ان جديدا رائعا من تلك الافلام سوف يتم عرضه ومن النادر جدا ، بل ومن المستحيل ان نفاجأ بأفلام ليست على مستوى عالٍ طالما ان غرناطة سوف تعرضه ضمن حفلاتها الصباحية والمسائية..
سينما غرناطة التي كنا نسميها ” ياقوتة صالات الفن السابع” تأسست في اوائل الأربعينات وسميت اول الامر سينما دار السلام تيمّنا بعاصمتنا بغداد التي نعَتها اهلنا ومحبوها بهذا الاسم ، وفي مطلع الستينات تغير اسمها فسميت ” سينما ريو ” وفي سنة /1971 استقر مالكها الجديد على تسميتها غرناطة حبّا بالاندلس وحضارته الزاهية العريقة وكأنها صورة بهيّة خلاّبة من صور غرناطة الاندلس
وقد عمل مالكوها على تأثيثها من أرقى الاثاث الايطالي والاميركي الفاخر لتكون في غاية التميّز عن بقية الصالات لكونها كانت مقصد العوائل العراقية العريقة ومهوى النخبة البغدادية المثقفة اضافة الى تصميم بنائها وسعة مساحتها وأجنحتها ومقصوراتها الفارهة ذات الطراز الايطالي الملفت للنظر ، ولاننسى التنظيم في عمليات الدخول والخروج واختيار المقاعد وفق الارقام في جميع اقسامها وكثرة الادلّاء الذين يشيرون الى مقعدك المخصص بكل يسرٍ وسهولة..
ولازال يرنّ في مسامعي ذلك الجرَس الجميل الذي يؤذن ببدء الفيلم وفي اوقات الاستراحة ، والذي كان يشبه تماما صوت قرع الاجراس في الكنائس..
وقد لمع نجمها وتألقت وصارت هدفا للزوار والباحثين عن المتعة الفنية الراقية حين عرض فيها الفيلم الشهير ” مدافع نافارون ” عام/1962 والتي مثّلته الممثلة اليونانية الشهيرة ايرين باباس الى جانب غريغوري بيك ثمّ اتجهت بعد ذلك الى عرض احدث النتاجات السينمائية الفرنسية التي كانت تؤخذ مضامينها من روايات عمالقة كتّاب الرواية الفرنسيين امثال فيكتور هوجو وبلزاك وموباسان واندريه مالرو وغيرهم ..