قراءة في اخلاقيات ومباديء العمل الصحفي والاعلامي

قراءة في اخلاقيات ومباديء العمل الصحفي والاعلامي
قراءة في اخلاقيات ومباديء العمل الصحفي والاعلامي..
حامد شهاب…
منذ أن وطأت اقدامنا أرض الصحافة منتصف السبعينات ، وحينها ما زلنا طلبة في قسم الاعلام بكلية الأداب فرع الصحافة والعلاقات العامة ، كنا في أشد حالات الإلتزام بقيم الصحافة وأخلاقياتها ، قبل أن نقرأ موادها في قوانين صادرة عن جهات او منظمات اعلامية ، وكان جل العاملين في الحقل الصحفي أنذاك مهنيين وعلى درجة عالية من الحرفية والالتزام بأخلاقيات المهنة ، ولم تشهد مؤسسات الصحافة حينها مشكلات كثيرة بهذا الحجم الذي يظهر اليوم في عالم الصحافة ، والتي تعد تحديات خطيرة، حتى خرجت الكثير منها عن سياقات العمل الاعلامي وأخلاقياته.
وقبل أكثر من خمسة عشر عاما ، وبالتحديد قبل عام 2003 ، أي في عهد الأنظمة التي كان يطلق عليها بالشمولية لم تكن هناك حاجة ماسة أمام من يعمل بالصحافة لوجود أسس ومعايير وضوابط للعمل الصحفي والاعلامي ، لكون كل ماكنة الاعلام والدعاية في وقتها مكرسة للنظام السياسي وتحت سلطته ، ولم يكون بمقدور أحد الخروج عما تمليه عليه من توجهات وشروط .
بل ان الصحافة عموما في دول المنطقة ، تعمل وفق أسس ومعايير كانت قد وضعت لها ، ولكن تطبيقها كان يعمل به بدون وجود تلك الضوابط والمحددات ، لأن كل من دخل تلك المهنة يعرف مقدما ما هو مطلوب منه، وليس له حق الخروج عن تلك الضوابط أو المعايير ، كونه بعمل في صحافة يطلق عليها بالصحافة الملتزمة ، التي لاتحتاج لمن يعمل تحت اروقتها أن يعرف ان هناك ضوابط ومعايير، والكل الا ماندر ملتزم بها ويحافظ على تلك المباديء والسياقات الخاصة بالعمل الاعلامي ، دون ان يطلع عليها او يقرأها ، وهو ليس بحاجة لها أصلا، لعدم وجود من ينافسه من قوى أخرى ، لكي يتصارع او يختلف معها ، ولكن بعد عام 2003 وتعدد القوى السياسية في العراق وتعدد توجهاتها وارتباطاتها بالخارج ،أن يمتلك كل من لديه المال والسلطة صحيفة أو اذاعة أو تلفزيون وهو يعمل على هواه وبلا ضوابط وكل يغني على ليلاه ان صح التعبير ، وليس بمقدور أحد أن يقف بوجهه او يعطل وسيلته الاعلامية عندما تخترق كل الحواجز وتضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط.
أما الان وبعد تعدد الوسائل الاعلامية وبعد ظهور الانترنيت والمواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبعد تلك الفوضى التي تضرب أطنابها في العراق ، فقد راح كل من يمتلك مؤسسة اعلامية ، وهي تعبر عن وجهات نظر حزبه السياسي او طائفته او أجندته السياسية مع المحيط الخارجي، فقد تطلب الأمر وضع سياقات او معايير أخلاقية تذكر العاملين في الحقل الاعلامي الالتزام بها، فهي موجودة ضمن أطر اعلامية محلية او دولية، ينبغي احترامها، بل أصبحت الحاجة ماسة لوضع آليات لتلك الضوابط لكي تلتزم بها وسائل الاعلام التي غالبا ماتكون ملكيتها لأشخاص واحزاب ..وليس للدولة من حدود للتدخل في توجهاتها ، الا عندما شعرت ان الأمور خرجت عن سيطرتها، ودبت الفوضى بين أغلب تلك المؤسسات، كل يحاول ان يفرض رؤاه ووجهات نظره على الآخرين، بالطريقة التي تعجبه او ترضي طموحه في الهيمنة على الآخر والاستحواذ على مقدرات كراسي السلطة ، وأن يكون له شأن في السلطة والقرار.
واذا كان البعض يجد في تلك الظاهرة انها جزء من الحريات الأساسية للنظام الديمقراطي الجديد ، وينبغي ان يترك لها الباب مفتوحا على مصراعيه ، فأن هناك جملة مشاكل وأزمات وحالات فوضى رافقت مسيرة هذا النظام الديمقراطي ، وأصبحت الحاجة ماسة للتذكير فعلا بضوابط المهنة وأخلاقياتها بعد ان انحدرت كثير من توجهاتها الى القاع، وراحت تمارس سطوتها وتريد ان تفرض وجهات نظرها على الرأي العام رغما عن إرادته.
وهنا لابد من التذكير أيضا بأن هناك جملة مباديء وأسس وضعها خبراء الاعلام والمهتمين بالشأن الإعلامي منذ عقود، ينبغي مراعاتها في أي عمل إعلامي أو صحفي منها : المصداقية والموضوعية والحيادية ، حرية الصحافة والاعلام، الاستقلالية، المحافظة على حقوق الآخرين، والامانة الصحفية ، الشعور بالمسؤولية الاجتماعية .
إن حرية التعبير التي كفلتها الدساتير الدولية ، لاتعني الفوضى والانفلات ، ولهذا يتطلب من الصحافة ووسائل الاعلام ان تحترم وظيفتها المهنية، من خلال الالتزام بالضوابط والمعايير الأخلاقية ، مقابل ان تمنح الدولة حرية اعلامية مكفولة، بلا تقييد لضوابط المهنة ، وان يسهر الجميع على حماية الحريات الصحفية ، فهي الضمانة الأكيدة التي تجعل الصحافة والاعلام تمارس مهامها وفقا لمسؤولياتها الأخلاقية.
ولا ينكر أنه في العراق قد توفرت معالم حرية صحفية واسعة منذ أكثر من عشرة اعوام ، ولكن بالمقابل ، وبعد انتشار الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى نطاق واسع، وبعضها يعمل بدون ضوابط ، فان المهمة تقتضي ان تلتزم تلك الوسائل الاعلامية والصحفية بأخلاقيات مهنة الصحافة ، لكي لاتعطي مبررا للدولة ولجهات أخرى عرقلة مهامها الصحفية او تعكير الحريات الصحفية او تقييد الحريات الصحفية، تحت مبررات قد تكون في جانب منها مشروعا، إن لم تحترم تلك المؤسسات الاعلامية المعايير التي وضعت من أجلها ضوابط المهنة وأخلاقياتها ، عندها نكون قد حمينا عشرات الصحفيين من ان يطالهم الحساب او تعرضهم للمساءلة القانونية وفق ضوابط النشر المعدة بقوانين نافذة.
وتعد المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل ( الفيس بوك) ، التي انتشرت بشكل واسع في السنوات الأخيرة ، وربما غطت على بقية وسائل الصحافة والاعلام، التهديد الأكبر لأخلاقيات مهنة الصحافة ، وظهرت وكأنها (البديل) عن الوسائل التقليدية في العمل الصحفي، بالرغم من أن تلك المواقع الالكترونية في أغلبها لم تلتزم بضوابط المهنة، وخرجت احيانا عن كثير من السياقات الصحفية، إن لم تكن هددت هيبة الصحافة، وعرضت سمعتها لمخاطر كثيرة، وكانت الصحافة الورقية أكثر من نالها أذى تلك المواقع ، بل أنها كانت (التهديد الأكبر) الذي يوجه لها (الصحافة الالكترونية) ، والتي راحت تغزو عالم الصحافة والاعلام ووسائل الاتصال عموما ، وشكلت لها (تحديا) لم تألفه منذ عقود!!
إن المباديء والأسس التي وضعت كمعايير للالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة هي الضمانة التي تعطي للحريات الصحفية مساحة أوسع من الانتشار، وفي قدرة الصحفي على إيصال رسالته الى الرأي العام والاسهام في بناء مجتمعه ، وبدون إرساء وتطبيق تلك المعايير تكون الصحافة عرضة للتضييق عليها او تواجه مصاعب لم تكن بحاجة الى ان تختلقها مع أجهزة السلطة ، ولكي تبقى موضع احترام وهيبة ، ليس بمقدور كائن من يكون ان يضعها محل إتهام.