فيصل السامر.. قامة عراقية.. علماً.. ونزاهةً.. ووطنيةً.. ما أحوجنا لمثلها اليوم

فيصل السامر.. قامة عراقية.. علماً.. ونزاهةً.. ووطنيةً.. ما أحوجنا لمثلها اليوم
فيصل السامر.. قامة عراقية.. علماً.. ونزاهةً.. ووطنيةً.. ما أحوجنا لمثلها اليوم
د . هادي حسن عليوي
(بغداد – آشور).. صادق.. متسامح.. يحب فعل الخير.. أخلاق رفيعة.. مثقف ذو معرفة واسعة.. مربي فاضل.. ورب أسرة ناجح.. وسياسي نقي.. ووطني مخلص غيور.. عالم في مجال اختصاصه.. متميز بصفات العلماء وتواضعهم.. مع جرأة في فهم التراث.. وقدرة عالية على الانفتاح والتعامل بوعي مع المرحلة التي عاشها.. نزيه حتى آخر رمق فيه.السيرة والتكوين:فيصل بن جرئ بن مري بن نعمة بن مرزوق السامر.. من عشيرة الصيامرة من قبيلة بني تميم.. الساكنة في إحدى نواحي البصرة.. ولد فيصل السامر في 12 كانون الثاني / العام 1924 في البصرة.. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها.. التحق في كلية الملك فيصل ببغداد.. (الخاصة بالمتفوقين والموهوبين).. بعد تخرجه منها.. أوفد الى مصر بكلية الآداب بجامعة القاهرة على البكالوريوس (1947).. والماجستير (1950).. ثم عاد الى البصرة.. وعمل مدرساً في دار المعلمين الابتدائية.. وفي ثانوية البصرة.ـ العام 1953 أكمل الدكتوراه من الجامعة ذاتها.. وعين مدرساً في دار المعلمين العالية (كلية التربية) ببغداد.ـ العام 1954.. فصل من الوظيفة لمواقفه المناوئة للحكم الملكي.. والحق في دورة الضباط الاحتياط العاشرة التي خصصت للمفصولين السياسيين.ـ العام 1955.. بعد تسريحه اضطر للسفر إلى الكويت للتدريس في معاهدها التعليمية حتى أوائل العام 1958.نشاطه السياسي:كان ليبرالياً يسارياً ولم يتحزب يوماً.. شارك في النشاطات السياسية.. وكان ضد النظام الملكي.ـ العام 1954.. أسهم بفاعلية في حركة السلم التي انطلقت آنذاك.. وحضر مؤتمرها السري الأول في ذات العام.ـ العام 1954.. أصبح مرشح الجبهة الوطنية الانتخابية عن البصرة إلى البرلمان.. وتعاون بشكل كبير مع الحزب الوطني الديمقراطي.ـ منذ وقت مبكر نشط في حركة المعلمين والدعوة لتأسيس نقابة خاصة بالمعلمين.. التي تأسست بعد ثورة 14 تموز 1958.. وأصبح أول نقيب للمعلمين.السامر.. الوزير:ـ في 17 تموز العام 1959 استؤزر فيصل السامر.. وزيراً للإرشاد.. وفي عهده تطورت وزارة الإرشاد وتوسعت.. فقد أنشأ وكالة الأنباء العراقية (واع).. كما تم تأسيس الفرقة السيمفونية العراقية. ـ في أيار العام 1961 استقال السامر من الوزارة.. فعين وزيراً مفوضاً للعراق في اندونيسيا وماليزيا على التوالي.السامر وانقلاب 8 شباط 1963:ـ أسقطت حكومة انقلاب 8 شباط 1963 الجنسية والجواز العراقيين عنه وعن أفراد أسرته.ـ العام 1963.. ترك ماليزيا الى جيكوسلوفاكيا..

وعمل أستاذاً في أكاديمية العلوم في براغ.عودته للعراق:ـ العام 1968 عاد الى العراق كبقية السياسيين.. حيث صدر قرار بعودتهم.. وأعيد الى قسم التاريخ بكلية الآداب ليعمل أستاذاً.. وقد انتخبه زملائه رئيساً للقسم. ـ كان علمياً وموضوعيا لدرجة أن الدكتور حسين محفوظ قال: كان السامر احد أعضاء لجنة مناقشة طالب دكتوراه في التاريخ.. وهذا الطالب من أعضاء حزب السلطة.. وقد أبلغت لجنة المناقشة رسمياً بمنح هذا الطالب درجة الامتياز.. إلا أن الدكتور السامر رفض منح الطالب تلك الدرجة لعدم استحقاق هذا الطالب لها.ـ منذ بدء مضايقة النظام السابق للشيوعيين والديمقراطيين ثانية منذ أواسط السبعينيات جرى التشديد على الدكتور السامر ومصادرة مؤلفاته من السوق لاسيما كتاب (ثورة الزنج) متهمين إياه بالشيوعية!!ـ عندما بدأت الدعوة لإعادة كتابة التاريخ.. التي رصد لها صدام ملايين الدولارات.. وسخر لها كل الإمكانيات.. رفض السامر بشدة إعادة كتابة التاريخ.. وقال بشكل علني: “في كل العهود وعبر التاريخ يلغي الحكام تاريخ من سبقهم وينسبون انجازات الغير إليهم.. لذا التاريخ مشوش.. لم يعجب كلام السامر هذا خير الله طلفاح خال صدام.. الذي كان يعد نفسه مؤرخاً ليخرج عبر شاشة تلفزيون بغداد معلنا: (أنا لا اتفق مع رأي السامر)!! السامر.. المؤرخ:نقل عنه رأيه في التاريخ والمؤرخين وقال: “أن المؤرخ.. لا يكون مجرد راوية أمين لأحداث الماضي فقط.. فهذا واجب من واجباته فحسب.. أن الواجب الأكثر أهمية وأصالة في أن يكون المؤرخ طرفاً نشيطاً في تفسير أحداث عصره تفسيراً واعياً.. (وفي رأيه أيضاً): إذا كان من واجب المؤرخ أن يكون بين القوى المنظمة للحياة الحاضرة والمساعدة على دفعها إلى الأمام.. فإن مؤرخينا مدعوون إلى أن يسلطوا الضوء على الحلقات المضيئة والعلامات الدالة على حيوية الحضارة العربية كي نجعل التاريخ حافزاً من حوافز نضالنا ونهوضنا الحديث”.ـ لقد كان هَمْ السامر هو أن يطلع القاصي والداني على منجزات العرب والمسلمين في حقول الحضارة والثقافة والآداب والفنون.. وكثيراً من هذه المنجزات ذات علاقة مباشرة بحمية المسلمين في نشر دينهم في كل بقعة يستطيعون الوصول إليها باعتبار ذلك جزءاً من رسالة الإسلام.. كما أن تلك المنجزات.. برأي الدكتور السامر.. ارتبطت بهدفٍ ثانٍ هو النشاط الاقتصادي الذي رافق توسع الدولة العربية الإسلامية.. وامتداد أقاليمها.. فمع أن التاجر العربي كان يسعى للحصول على الربح.. إلاّ أنه لم يألُ جُهداً في نقل عقيدته وإيصالها إلى جميع أولئك الذين يقدر له أن يتعرف عليهم في رحلاته في الأقاليم التي يذهب إليها.منهجيته في التاريخ:يقول السامر: إن المؤرخ لا يكون مجرد راوية أمين لأحداث الماضي فقط.. فهذا واجب من واجباته فحسب.. إن الواجب الأكثر أهمية وأصالة أن يكون المؤرخ طرفا نشيطا في تفسير أحداث عصره تفسيرا واعيا.. وفي رأيه أيضا: “إذا كان من واجب المؤرخ أن يكون بين القوى المنظمة للحياة الحاضرة والمساعدة على دفعها الى الأمام.. فان مؤرخينا مدعوون إلى أن يسلطوا الضوء على الحلقات المضيئة والعلامات الدالة على حيوية الحضارة العربية كي نجعل التاريخ حافزا من حوافز نضالنا ونهوضنا الحديث.رأي السامر بهذا الشأن.. ارتبطت بهدفين:الأول: في نشر دينهم في كل بقعة يستطيعون الوصول إليها.. باعتبار ذلك جزءاً من رسالة الإسلام.الثاني: هو النشاط الاقتصادي الذي رافق توسع الدولة الإسلامية وامتداد أقاليمها.المهمات التربوية والتعليمية:يعتقد الدكتور السامر إن مهمات التربية والتعليم في العراق في عملية البناء.. فالتربية عمل معقد ومهمتها إزاء المواهب التي منحتها الطبيعة للطفل وتهيئته للحياة الاجتماعية.. وهي تعمل على تزويده بما يمكن من تراث الماضي وعلى توجيه عقله نحو المستقبل وكل ما فيه من جديد وتعمل التربية أيضا على إن يحب الطالب الحياة الروحية له.. لكنها تعلمه في نفس الوقت تقدير عبقرية الأقوام الأخرى وتنمي فيه الطموح الى حضارة عالية إنسانية يسهم فيها جميع الشعوب كلا حسب قابليته.. وطبيعيا فان كل شعب يتبنى نظاما تربويا يعكس تاريخه وبناءه الاجتماعي ومطامحه وآماله في المستقبل.هذه هي التربية بمفهومها الحديث.. وهي فوق كل ذلك تهدف الى تدريب نخبة في الإدارة والجيش والصناعة والتجارة والزراعة وجميع مجالات النشاط الاجتماعي لتولي المراكز ذات المسؤولية.. وطبيعياً إن التربية الديمقراطية تهدف الى اختيار النخبة من جميع أبناء الشعب دون تميز.وفي سبيل سياسة تعليمية جديدة يجب أن نلاحظ إن الهدف الأول لبلدنا هو محو الأمية لكي يتاح لكل مواطن أن يتمتع بنعمة التعليم.. ويستطيع في الأقل أن يقرأ ويكتب ليسهم بنصيب في الأمور العامة التي تقرر مصيره.. ويجب أن تسير هذه العملية مع العملية التعليمية ونسير قدما في عملية توسيع التعليم الثانوي والجامعي.. بحيث يجب أن تكون خطتنا تحرير الصبي من حاجات المعيشة المادية ليتعلم تعليما ابتدائيا فثانويا فجامعيا.وهذا ليس آخر المطاف في خدمة التعليم التي نطمح إليها في المدى البعيد إن التعليم يجب أن يكون مجانياً في جميع مراحله الى جانب إعطاء فرصة التعليم بجميع مراحله لجميع الراغبين.. وذلك عن طريق تأسيس المدارس والمعاهد الكافية.. وتهيئة المدرسين الأكفاء ومنح الإعانات المالية للفقراء المعدومين الذين لا تمكنهم ظروفهم المعيشية القاسية من إكمال دراستهم. ولعل في مقدمة تنفيذ هذه الخطة هي توافر الإمكانات المالية والفنية التي تتيح نشر التعليم في كل زاوية من زوايا الوطن.. فالمدرسة التي تبنى وتؤثث بالمال يجب أن تزود بالمعلمين والمربين والإداريين ووسائل التربية.وهذه الخطة يجب أن لا تكون مرتجلة، بل مبنية على تخطيط سليم في شكل مشروع خمس أو عشر سنوات ينفذ بخطوات مدروسة.. وهذه السياسة التعليمية يجب أن ترافقها إجراءات أخرى تهدف الى خلق جو ملائم يعيش فيه الطلاب.. ولابد إن هذه السياسة ستراعي حاجات البلاد بالدرجة فلابد من توفير المدارس المهنية والتقنية لتوفير الاختصاص المهني التقني ما دامت بلادنا مقبلة على نهضة صناعية.نتاجاته العلمية:ليس من السهولة إحصاء ما كتبه وترجمه وحققـه السامر من كتب ودراسات وبحوث باللغتين العربية والإنكليزية.. فإنتاجه العلمي كبير.. شكلاً ومضموناً.. لكن التوثيق يقتضي منّا أن نشير إلى بعض إصدارات السامر: 1ـ صوت التاريخ : وقد صدر العام 1948 بمقدمة ( اليزابيث براوننج ) التي تقول فيه:(عقيدتنا أن نهب حين يقرع جرس التاريخ).. وأهدى هذا المؤلف السامر (الى الذين يؤمنون بان الحاضر خير من الماضي).. تناول فيه ستة مواضيع: (أثبنا الديمقراطية في الإسلام، والثورة البروتستانتية.. وأطراف من الثورة الفرنسية.. وتجارة رفيق الأرض.. في روسيا.. وعلى هامش الحرب العظمى الأولى).2ـ حركة الزنج: كانت رسالته العلمية للماجستير.. طبعت العام 1954 وأعيد طبعها العام 1971.. قائلاً: “لقد شجعني إعادة طبع ثورة الزنج ذلك لإلحاح النبيل المتواصل من جانب المعنيين بالموضوع والقراء على حد سواء”.3- الدولة الحمدانية في الموصل وحلب: وهي أطروحته للدكتوراه في التاريخ الإسلام العام 1953.. من جامعة القاهرة.. طبعت العام 1970.. وأعيد طبعها ثانيةً العام 1973.. وهي أولى الكتابات عن هذه الدولة.. حيث لم يسبقه من كتاب تناولوا حياة الدولة الحمدانية ولا سيف الدولة الحمداني باعتباره أشهر أمراء الحمدانيين.4ـ الأصول التاريخية للحضارة العربية: طبع العام 1977 ويتضمن مجموعة دراسات في التاريخ كتبها وفق منهجه في كتابة التاريخ في ستة فصول هي: “العرب سادة البحر الشرقية.. ناشرو الإسلام في جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى.. آثار العرب الحضارية والثقافية في جزر الهند الشرقية.. السفارات العربية في الصين في العصور الوسطى الإسلامية.. حركة التجديد الدينية والعلمانية في اندونيسيا الحديثة”.5- ابن الأثير: طبع العام 1983 وفيه يلقي الضوء على هذا المؤرخ العالم في الدراسات التاريخية.. حيث درس فيه حياة ونتاج صاحب الكامل في التاريخ وما حققه هذا العلامة في التاريخ.6ـ العرب والحضارة الأوربية: صدر العام 1977 وبحث فيه المؤلف موضوع العرب والحضارة الأوربية والتأثيرات العربية في هذه الحضارة.7ـ عيون التاريخ لابن شاكر ألكتبي: وفي مجال تحقيق التراث صنع بمشاركة (الدكتورة نبيلة عبد المنعم داود ) تحقيق الأجزاء (الثاني عشر والعشرين والحادي والعشرين) من كتاب عيون التاريخ لمحمد بن شاكر ألكتبي.. والكتاب يجمع بين الحوادث والوفيات وهو مرتب حسب السنين ـ ويقول المحققان انه منهج في كتابة التاريخ انتشر بعد القرن السادس الهجري.. وقد انتهى فيه المؤلف الى سنة 760 هـ… ويضيفان بان اهتمامهما انصب على العصور المتأخرة لاعتقادهما بان مصادرها المنشورة قليلة.. وهي في نفس الوقت فترة شبه غامضة أو مجهولة.. وما يزيد من أهمية استكمال دراسة تاريخ هذه العصور المتأخرة إنها ليست كما يتصور البعض عصور ظلام دامس طمست فيها معالم الحضارة العربية الإسلامية وانحطت فيها الحركة الثقافية والعلمية وأقفلت المدارس خلالها أبوابها وركن الناس الى الجهل والخرافة.. ومن ثم فان نشر كتب التراث المتأخرة هو وحده الذي يزيل هذا التصور.8 ـ الأسلحة والرجل ـ رجل الاقتدار: وهي في حقل الترجمة نقل عن مسرحيتي الأسلحة والرجل ورجل الاقتدار لبرناردشو.. وقد ترجمة بمشاركة (قرني رفيق الدوغرمجي).. العام1947.9 ـ أزمة الحضارة: هو ترجمة لكتاب أزمة الحضارة ـ آفاق إنسانية في عالم متغير.تأليف (جوزيف كاليميري).. آخر أعماله في الترجمة والحياة.10 ـ أبحاث تاريخية متنوعة: وهي سلسلة من البحوث المعقدة.. منها: ملاحظات في الأوزان والمكاييل الإسلامية وأهميتها (مجلة كلية الآداب 1971).. السفارات العربية في الصين في العصور الوسطى (مجلة الجامعة المستنصرية 1971).. التسامح الديني والعنصري في التاريخ الإسلامي (مركز الدراسات الفلسطينية 1972).. الفكر الفلسطيني 1972.. الفكر العربي في مواجهة الفكر الغربي (منشورات الجمعية العراقية للآثار والتاريخ 1972) خواطر وذكريات عن طه حسين (مجلة الأقلام 1974).. مسألة الجنس اليهودي (مركز الدراسات الفلسطينية 1977).. مواد الكتابة عند العرب (منظمة التربية والثقافة والعلوم ـ جامعة الدول العربية 1979).. وهناك عشرات البحوث والدراسات العلمية والتاريخية للدكتور فيصل السامر لا مجال لنشرها في هذه المقالة.المبادئ.. ثروته في الحياة والوفاء:تقول د. سوسن ابنة الدكتور فيصل السامر: “بسبب مبادئه كان طريقه محفوفا بالمخاطر.. فقد رشح والدي عدة مرات لمنصب عميد كلية الآداب كذلك رئيسا لجامعة بغداد.. إلا انه اعتذر واثر التفرغ العلمي والإشراف على طلبة الدراسات العليا.. لم تكن الطموحات المادية أو الوظيفية تشكل هما له، بل كان يطمح لفعل كل ما يستطيعه لخدمة بلده وعائلته فقط”. وتضيف د. سوسن السامر: “انه مثالي بكل المقاييس وبكل معنى الكلمة.. ربما تكون الثروة الوحيدة التي تركها السامر لأولاده هي المبادئ.. فعندما أصبح سفيرا مثلاً كان يسد النقص في المصاريف والأثاث من حسابه الخاص تاركاً كل شيء للسفارة بعد أن تنتهي مدة سفارته.. وحسابه بالبنك بعد وفاته لم يتعد العشرة دنانير”.. وتضيف ابنته بحسرة وسخرية: “تعلمون إن طريق المبادئ محفوف بالمخاطر لقد تعرضنا للكثير من الضغوط خلال حكم النظام السابق.. الذي لم يتقبل كلمة إن والدي “مستقل”.. والغريب إن الناس يصفون المبدئي بالمتعصب والمتعنت وغيرها من المسميات.. وهذا ما قاله الناس عن والدي.. عندما تخلى من كل المغريات في بلاد الغربة.. حيث كان أستاذا في جامعة براغ بتشيكوسلوفاكيا ويتسلم راتب وزير.. لكنه أصر على العودة للوطن.. فعانى الكثير في بلده حتى تحولت معاناته الى مرض خبيث أودى بحياته”.أما الأستاذ نجيب محي الدين (نقيب المعلمين العام 1958) فيقول: “عرفتُ الدكتور السامر وارتبطت به فكرياً وسياسياً وشخصياً على مدى ثلاثة عقود تقريبا.. لم نفترق خلالها سوى بضع سنوات فرضتها الغربة بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي المعروف فعرفته حقا.. إنسانا بإنسانية عذبة سامية ووطنياً مخلصاً غيوراً.. حيث تتجلى وطنيته في حبه للمواطنين واحترامه لهم.. ومثقفاً عالماً في مجال اختصاصه.. ومتميزاً بصفات العلماء وتواضعهم مع جرأة في فهم التراث وقدرة عالية على الانفتاح والتعامل بوعي مع المرحلة التي عاش خلالها فاستوعبها فكان من الرواد الذين لم يخونوا التراث”.أما الدكتورة نبيلة عبد المنعم داود فتقول: “منحني ثقته حين رشحني لمناقشة أطروحة دكتوراه.. وأنا مدرسة وفي مستهل حياتي التدريسية مع كبار الأستاذة في القسم آنذاك.. وتلك هي مناقشة أختي وزميلتي الدكتورة ناجية عبد الله..

كان لي شرف العمل معه في تحقيق كتاب عيون التواريخ.. لمحمد بن شاكر ألكتبي.. علمنا معا وكنت مدرسة وهو أستاذ وكان يعاملني معاملة الند للند وتعلمت منه أشياء كان يطرحها علي بشكل مباشر.. فكان يعلمني وكأنه يتعلم مني. كنا نقتسم العمل بالنصف ـ وكنت سعيدة بهذا العمل وفخورة به فهو دليل على مقدرتي في الكتابة.. وهي مسألة مهمة وأنا في بداية حياتي التدريسية.. ومرة حين أصدرنا الجزء العشرين من الكتاب نشر خبر في الصحف المحلية جاء فيه انه صدر الكتاب بتحقيق نبيلة عبد المنعم داود والدكتور فيصل السامر.. وخجلتُ من هذا الأمر لتقديم اسمي على اسمه.. وجئتُ إليه معتذراً خوفاً من إن يظن أني أعطيت هذا الخبر ووجدته ضاحكاً مبتسماً يهون علي الأمر.. وقال انك تستحقين ذلك وليس مهما أن يتأخر اسمي لأننا شريكان في العمل بالتساوي.. وواصلنا العمل بتحقيق الجزء 21 وكان الأستاذ الدكتور السامر مريضاً جداً.. ورغم مرضه كان حريصاً على أن يساعدني.. إلا إن المرضى منعه.. وأكملت العمل وصدر الكتاب بعد وفاته رحمه الله وتوقف مشروعنا لإكمال الأجزاء الأخرى وظلت عيون التاريخ تدمع!!نزاهته:ـ المبادئ.. ثروته في الحياة والوفاء: فقد رشح عدة مرات لمنصب عميد كلية الآداب.. كذلك لمنصب رئيساً لجامعة بغداد.. إلا انه اعتذر واثر التفرغ العلمي والإشراف على طلبة الدراسات العليا.ـ عندما كان يقيم في جيكوسلوفاكيا عرضت عليه الحكومة التشيكية جنسيتها له ولأسرته.. فاعتذر عن قبولها.ـ لم تكن الطموحات المادية أو الوظيفية تشكل هماً له.. بل كان يطمح لفعل كل ما يستطيعه لخدمة بلده وعائلته فقط. ـ عندما أصبح سفيراً مثلا كان يسد النقص في المصاريف والأثاث من حسابه الخاص.. تاركاً كل شيء للسفارة بعد أن تنتهي مدة سفارته.ـ تخلى من كل المغريات في بلاد الغربة.. حيث كان أستاذاً في جامعة براغ بتشيكوسلوفاكيا ويتسلم راتب وزير.. لكنه أصر على العودة للوطن.. فعانى الكثير في بلده حتى تحولت معاناته الى مرض خبيث أودى بحياته.ـ لم يكن يملك داراً.. ولا أي عقار آخر.. لا في العراق ولا في الخارج.ـ حسابه بالبنك عند وفاته لم عشرة دنانير فقط. ـ كان مثالياً بكل المقاييس.. وبكل معنى الكلمة.. ربما تكون الثروة الوحيدة التي تركها السامر لأولاده هي المبادئ.نهاية المطاف:بعد صراع مع المرض توفي فيصل السامر في الثاني عشر من كانون الأول/ ديسمبر / العام 1982 في لندن.. وما يثير الدهشة والألم إن كل المحافل الثقافية العراقية صمتت ولم تقل كلمة واحدة في حقه أو في نتاجه الفكري السخي.. حتى إن جامعة بغداد التي قضى حياته في خدمتها لم تبادر الى إقامة حفل تأبيني له.. إنها سخرية القدر في الزمن الساخر!!