ردّوا إلــيّ قدســـي وقلبــــي

ردّوا إلــيّ قدســـي وقلبــــي
ردّوا إلــيّ قدســـي وقلبــــي
بقلم: محمد الكقارنة
القدس الجرح والأمل ، تنزف عطرا ، وتكتوي نار العدو والصديق ، تتنفس طيناً وتراباً ودماً وابتسامة واعدة ، يموت فيها الرجل واقفاً ، ومن جذوره ينبت الغد ، ومن يظن أن أرضها ستحرق فهو واهن ، فالنور يتلألأ من بنادق ثوارها ، والغد يلمع في بسمات أطفالها ، مجروحة بأهلها وساكنيها وحاضنيها وبائعيها ، لكنها تقبض على جرحها اليومي بعناد وصلابة ، وتشرع أبوابها للسماء مظلومة لا تمل المناجاة .
إنّها القشعريرة !!
التي تصيبنا عندما تمرُّ أحداثها أمام أعيننا ، إنها تأشيراتنا المعلقة ، وتصاريحنا المرفوضة ، وطرقنا المغلقة في وجوهنا فقط ، إنها كل أوجاعنا في كلمة واحدة ، وكل الشهداء في كفن واحد ، وكل أسرانا في كلبش واحد ، وكل جراحنا في عكازة واحدة ، وكل نداءاتنا في ياء واحدة ، وكل الهزائم في تنهيدة واحدة ، وكل بكائنا في دمعة واحدة ، وكل موتنا مكررا في رصاصة واحدة موجهة إلينا ، إنها القدس الممنوعة من الصرف في جوازات السفر العربية ، المجرورة بالكسرة الظاهرة على أخر الجرح ، المرفوعة دوما على الأكتاف شهيدة كل يوم ، المضمومة إلى كيان ما وهي لا تقبل الضم ، القدس التي لا ندري إن كانت في القلب أم القلب فيها ، لكل ركن في أزقتها عناق روح متلهفة ، ومع كل حجر من البيوت والمحال على جانبي الطريق رباط مقدس . فهي قصيدة التواصل مع السماء ، نافذة الصادقين ، وفردوس الأمة ، ومحط الرحال ، ومهوى الأفئدة ، والاسم الذي لا تحده دلالة ، ولا تتسع لفضاءاته بلاغة ، ولا ينهض للتعبير عن حبنا لها كثير من مفرداتنا القاصرة.
إنها القدس الفاضحة الكاشفة التي فضحت وكشفت عورات المستعربين ، وسيكتب التاريخ أنّ شبابها فعلوا ما لم تفعله أمة كاملة من الشيوخ والزعماء والملوك والعباءات ، صورٌ ونماذجٌ تقبضُ على الجمر ، يخبئون القبة في حدقاتهم ، ويمضون إلى حتفهم باسمين .
أيتها القدس
كيف لنا لا نراكِ وأنتِ عيوننا ، وكيف لا نحسّ بكِ وأنتِ جلدنا ، ولا نكتبكِ وأنت أصابعنا ، ولا ننطقكِ وأنتِ لساننا ، وألا نتنفسكِ وأنتِ رئتنا ، أمام هذا الحراك ، لُعنتْ كل اللافتات التي لا تشير لكِ ، وكل الحروب التي لا تقوم لأجلكِ ، وكل الخطابات التي لا تكون لنصرتك ، وكل الخرائط التي لا تضعكِ منتصف الجرح تماما .

أيها الغازي الغريب
أيها المتخاذل المُطبع
بلادٌ كُتبتْ لأهلها بالقرآن ، لا تكون لمحتليها بالصفقات ، فهتافات “الله أكبر ” ، ” وبالروح بالدم نفديك يا أقصى ” تشقُّ عنان السماء مع تدفق المئات من الفلسطينيين لنصرتها والشد من أزرها والشدّ مع قبضتها ، فلن تقوى أيديكم الآثمة على قدر الله ، فهي التي عزها الله سبحانه وتعالى بالذكر الحكيم 🙁 وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) ، وخصها بالبركة في قوله : ( الذي باركنا حوله ) ، فلن تفنى مدينة القدس من أهلها ، ولن يظل الأقصى وحيداً ، ولن يغدو التهويد فيها أمراً واقعاً ، فلا تاريخها يسقط بالتقادم ، ولا واقعها يلغى بسياط الجلادين ، ولا واقعها يتغير عن كونه منتهى الآمال وغاية المنى ، فإرادة شبابها أقوى من أسلحة الاحتلال وأكثر فاعلية ، وأطولها نفسا وصبرا ، فالسكين قد قابل – الإمسكستين- الحاضرة بشجاعة فرسانها ، فيا أهلها لا تغلقوا الأبواب ، ولا توقفوا اللعب بالثلج ، بملء الفم نقول :
سنعــــود بعـــد حــنيـــن
حنيناً أبداً ودائماً وسرمداً للقدس عاصمة فلسطين ، سنستمر بالحب والحنين المتجدد ، وإيقاظ الهمم حتى نصل إلى بغيتنا ، وهي الصلاة في مسجدنا ، المسجد الأقصى المبارك .
همسة في آذان الصادقين من أبناء الشعب :
اجعلوا حراك القدس حراكاً طاهراً هذه المرة ، لا تكرروا نفس الخطأ ، وتحزبوا الدم والثورة والغضب الفلسطيني ، وتلونوه في حالة من العنصرية والجهل المكعبل ، حافظوا على كبرياء الثورة ، ورددوا درس الصف الأول في العروبة والانتماء ، واكتبوه على جدران قلوبكم أنّ فلسطين المحتلة عربية حرّة ، وعاصمتها القدس الشريف .