دماء على نهر دجلة

دماء على نهر دجلة
دماء على نهر دجلة
هادي جلو مرعي
هل ستسيل الدماء بطريقة أكثر ترويعا خلال الفترة المقبلة في العراق لتأذن بتغيير صادم وغير متوقع وربما، تؤدي الى تغيير فوضوي لايكون تغييرا في حقيقته بل هو نوع من التشفي الذي تعودته بلاد النهرين بعد كل مرحلة سياسية فاشلة منذ تأسيس الدولة في عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم، والتاريخ بالطبع له سطوة التأثير فمن يولد فقيرا سيظل يبحث عن الغنى، بينما من يولد غنيا لايكون مجتهدا في البحث عن المال فقد ولد وفي فمه معلقة من ذهب. الغنى والفقر قد يكونان وراثة كما يقال، فأبوك ربما يورثك الفقر لتبقى في سعي لاينتهي للتعويض، وقد يورثك الغنى فتعمل في بحبوحة من العيش وتكسب المزيد، وهناك من يشذ عن القاعدة فيحول الغنى الى فقر والفقر الى غنى.
العراق ورث الفشل عن حكوماته فهو بلد محتل عبر التاريخ، وإجتهدت كل الحضارات الإنسانية في السيطرة عليه من أيام سومر وأكد وبابل، وكانت لحضارة الفرس والترك والحضارت الأوربية وأمريكا سطوة لم تنته حتى اليوم فكانت حكومات بلاد الرافدين مصطنعة في الغالب، أو تابعة لسلطة المحتل. ولعل الحكم في هذا البلد بدأ حديثا في عام 1920 مع تأسيس الحكم الملكي الذي ظل يترنح برغم بعض الإستقرار حتى نهايته السيئة على يد عصابة مارقة من الضباط الذين سلموه الى أحزاب شوفينية طائفية قادته الى الحروب والحصارات والعداوات، ثم خلفت الفوضى والفساد بعد أن سقط آخر دكتاتور أحمق هيأ الفرصة للمحتل الأجنبي ولمجموعات سياسية فاشلة ومنحطة لتحكم الدولة بطريقة رعناء وشوهاء وبالية.
إندفع الآلاف من العراقيين بعد 2003 لتعويض مافاتهم من الحرمان وصار الملايين منهم موظفين وحكاما وسياسيين وقادة مجتمع لكنهم لم يلتزموا بالمعايير الخاصة بالحكم الرشيد فدخلوا في منازعات طائفية وقومية وصراعات محلية عسكرية وإقتصادية وعندما صار الفساد غولا ووحشا كاسرا كان الصراع فيه سياسيا بإمتياز، وصرنا نشهد حملة التسقيط والملاحقة القانونية على أساس الخلاف والإختلاف والحقد الشخصي وليس على أساس المصلحة الوطنية العليا التي تتطلب الإجتهاد في سبيل الوصول الى الحل وإعادة الإستقرار والهيبة الى الدولة العراقية الناشئة.
ومن دلائل كون الصراع سياسيا بإمتياز حتى في مجال الفساد صرنا نلاحظ شدة الملاحقة والتسقيط الذي يستهدف زعامات سياسية وحزبية متهمة بالفساد، بينما يتم تجاهل عشرات الآلاف من الموظفين الصغار والضباط بمختلف الرتب والتجار ورجال الأعمال والمدراء والوكلاء وبتوصيفات ووظائف عديدة يمارسون الفساد ولايخشون ملاحقة من أحد. صديق لي سجن لعدة أيام لمجرد أن دورية إحتجزت سيارته لأسباب نعرف أن المال هو السبب، وعندما حاول اهله إخراجه دفعوا رشوة كبيرة، وعندما سألت شرطيا هل لديكم مكتب للمفتش العام، قال يأتون من حين لآخر ولايفعلون شيئا. وبالفعل فإن هناك آلاف الموظفين يحصلون على الرشا دون أن يتطرق لهم أحد، وهناك آلاف المسؤولين الصغار يحتالون بعيدا عن العيون وهم ينهبون المال العام، بل صار الفاسدون يتظاهرون ضد الفساد بعد أن إختلطت الأوراق، وصارت ظروف الملاحقة غير مهيئة على الإطلاق، ويمكن لكل مفسد أن يمارس فساده بالطريقة التي يريد، فالملاحقة ليست قانونية بل سياسية وتستهدف الكبار لأنهم في صراع مع بعض.