بعيدا عن السياسية ..( قطتي الصغيرة – قصة حقيقية )

بعيدا عن السياسية ..( قطتي الصغيرة – قصة حقيقية )
بعيدا عن السياسية ..( قطتي الصغيرة – قصة حقيقية )
حسن المهندس
لم تستأذن أحدا حين إختارت حديقتنا الصغيرة لتكون مقراً لإقامتها .. كانت تراقبنا بنظرات حذرة فاحصة فمازالت لا تثق بأحد .. فتراها متوثبة للإفلات تحسباً لأي طارئ أمني ..
الأنانية البشرية .. دفعتنا الى إحكام إغلاق سلة المهملات في زاوية الحديقة .. بعد أن عبثت بمحتوياتها أكثر من مرة ..
وذات وجبة عائلية دسمة .. أوقعنا فيها خسائر جسيمة بسمكة سمينة ساقها قدرها المشئوم الى مائدتنا .. أبت القطة الصغيرة الا أن تشاركنا بقاياها .. فكان ان اقتحمت الحاوية وقلبتها رأساً على عقب .. ناثرة أحشاء السمكة الممزقة في باحة المنزل وزواياه ..
كان غضبنا شديداً .. وقررنا أن نضع حداً لعبث هذه القطة المشاكسة .. ونقطع عنها كل دعم معنوي أو مادي .. ونمنع عنها الماء الذي كنا نضعه لها بي الحين والآخر ..
ولكن .. في صحوة ضمير وتفكر .. توصلنا الى أن هذه المسكينة لم تكن تقصد أذيتنا .. ولم تتعمد الإساءة لنا .. وأنها لم تعمل بغير غريزتها الطبيعية .. ولم تطمع بغير حقها بالعيش .. ولم تنساق الا وراء رغبتها بالبقاء .. وكل هذه حقوق مشروعة يكفلها لها دستور الحياة ..
فهل عليها – مثلاً – أن تتخلى عن كل ذلك .. لتنال رضانا .. وتحوز إعجابنا ..وتحصل على شرف دخول حديقتنا ؟؟
فما كان الا أن رجعنا الى أنفسنا .. وعدنا الى ذواتنا .. لتفعيل النزعة الإنسانو-حيوانية .. وتنشيط الإحساس بمخلوقات الله فيها .. رحمة بهذا الكائن البريء .. الذي لم يكن بيده إختيار جنسه ونوعه ومكان ولادته .. فضلا عن غرائزه ولياقته ..
بل شعرنا بأننا أولى منه بترويض غرائزنا .. وتهذيب انفعالاتنا وعدوانيتنا .. كوننا الكائنات الأكثر تطوراً .. والأرقى رتبة .. والأوفر عقلا وفكرا في هذا الكون ..
وفي صباح احد الأيام .. تفاجأت بصاحبتي الصغيرة .. وإذا بين فكيها الدقيقين حمامة تصارع الموت .. وقد تناثرت ريشاتها في ارجاء الحديقة ..
وما أن أحست بوجودي حتى تجمدت في مكانها .. وقطعت كل حركة .. وتحفزت للوثوب .. وهي ترمقني بنظرة عدوانية شريرة لم اعهدها منها ..
ولم تنتظر طويلا .. بل انطلقت بفريستها الوديعة المستسلمة لقدرها .. الى حيث تعلم .. ولا أعلم ..
في تلك اللحظة تساءلت مع نفسي !!
ترى هل حان الوقت لمراجعة مواقفي الإنسانو- حيوانية .. التي جعلتني اشفق عليها في لحظة ضعف وعطف ؟؟
وهل تستحق هذه القطة مبادراتنا البشرية لإحتوائها ؟؟
ولكن مالبثت أن عدت الى نفسي .. وتذكرت أن الحياة كلها مجرد تبادل أدوار بين الضحية والجلاد ..
فكم من ضحية للظلم والإضطهاد .. حين وصل الى سدة الحكم .. عاد وركب موجة نفس الظلم الذي كان هو ضحيته بالإمس ؟؟ وتحول الى طاغية لا يقر له قرار .. ولا يشق له غبار ..
وكم من ثائر تحول من واعظ .. الى راعٍ للفساد حين واتته الفرصة .. وتمهد له الطريق ؟!!
ويبدو ان هذه هي تقلبات الحياة التي لا ينجو منها الا كل فطن نبيه .. ولا ينزلق في متاهاتها الا جاهل مغرور .. ولا يركن الى زخرفها الا متكبر مختال ..