النقاش مع الجاهل: مأزق المثقف في مواجهة الرداءة

كتبت: د.دعاء يوسف

في المشهد الثقافي العربي، لطالما كان الحوار أحد ركائز النهضة الفكرية، لكنه اليوم يتحول في كثير من الأحيان إلى ساحة معركة لا ينتصر فيها المنطق، بل يرتفع فيها صوت الجهل حتى يبتلع كل محاولة للعقلنة. لم يعد الجدل بحثًا عن الحقيقة، بل أصبح عند البعض أداةً للهيمنة والتشويه، حيث يصر الجاهل على البقاء في جهله، لا لأنه لا يعلم، بل لأنه يرفض أن يعلم.

الجهل كظاهرة ثقافية

لم يكن الجهل يومًا مجرد نقص في المعرفة، بل هو موقف ثقافي معادٍ للبحث والسؤال. الجاهل ليس دائمًا أميًا، بل قد يكون جامعيًا، صاحب شهادة، ولكنه يعيش داخل قوقعة فكرية مغلقة، يرفض اختراقها بالنقاش أو القراءة أو التأمل. وفي ظل هذا الانغلاق، يتحول الحوار إلى صراع عبثي، حيث يصبح النقاش مع الجاهل استنزافًا لا يفضي إلى أي إضافة معرفية، بل يغرق الثقافة في مستنقع التكرار والجمود.

لماذا يرفض الجاهل الحوار؟

الثقافة الحقيقية تقوم على التساؤل، النقد، وتقبل الآخر، لكن الجاهل يفتقد لهذه الأدوات. فهو لا يناقش ليعرف، بل ليؤكد لنفسه أنه على حق، حتى وإن كانت أدلته واهية. بعض الجهلة لا يخشون الخطأ فحسب، بل يخافون أن تهتز صورتهم أمام أنفسهم إذا اكتشفوا أنهم كانوا مخطئين.

إن الخطر الثقافي الحقيقي ليس في وجود الجاهل فحسب، بل في تحوله إلى صوت عالٍ، يفرض منطقه الرديء على المجال العام، ويعيق أي محاولة للنهوض بالفكر. ومن هنا، تصبح الثقافة الحية مهددة بالتراجع، حين يستسلم المثقف لهذا النوع من الحوارات العقيمة، أو حين يجد نفسه مضطرًا للصمت في مواجهة الرداءة.

حين يصبح النقاش ثقافة بلا معنى

في مجتمعاتٍ تعاني من أزمات فكرية، يأخذ الجدل شكلًا غريبًا: يتحول إلى لعبة لغوية بلا مضمون، حيث لا يبحث أحد عن إجابة، بل يحاول كل طرف أن يُسقط الآخر. الجاهل هنا ليس مجرد فرد، بل حالة ثقافية تهيمن على الفضاء العام، تجعل من الصوت العالي بديلاً عن الحجة، ومن السخرية وسيلةً للقمع، ومن الخرافة بديلاً عن الفكر النقدي.

إن المثقف حين يناقش الجاهل يواجه معضلة مزدوجة:

إذا صمت، منح الجهل فرصة للانتشار.

وإذا تكلم، وجد نفسه عالقًا في دوامة لا نهاية لها. وهكذا، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن بحاجة إلى مواجهة الجهل، أم أن الثقافة الحقيقية تُبنى بعيدًا عن ساحات الجدال العقيم؟