المنطقة العربية .. وسوء استغلال الازمات

المنطقة العربية .. وسوء استغلال الازمات
المنطقة العربية .. وسوء استغلال الازمات
بقلم :سعاد الشمري
في ظل مرحلة صعبة وتغيرات ديمغرافية وسياسية وامنية ترسمها حالة تقلبات وانقلابات شهدتها بعضا من دول المنطقة تكللت بخطط محسوبة رسمتها بدقة اقطاب الاقليم الممثلة بطموح طهران المرهون بنسب مواقف الحلفاء ضمن حسابات الفوز والخسارة في سباق الحرب ورياح المعارك الذي بدأته روسيا في غزوها على اوكرانيا اضافة الى تراجع معادلة الواقع السوري الذي يواجه تدخل اكثر من طرف في ظل غياب واضح للراعي الروسي عن المنطقة الذي غير واقع التوترات الاقتصادية وشكل التحالفات السياسية الجديدة .. .
**العراق وخريطة الداخل المرتبكة..
العراق الغارق بالازمات والواقع تحت مطرقة التخبط المدروس الذي تمارسه قوى الاحزاب المنفذة ونفس الولائية التي تستمد قوتها من رخاوة النسيج السياسي الذي تداعى بين مختلف الطقوس التي استغلت جيوب الفقر والفراغ الامني المقصود لتحقق ساحة عراقية فارغة من اصول بناء دولة المؤسسات الحقيقية. فالانسداد السياسي الذي ال اليه الوضع بعد الانتخابات النيابية فتح طموحات غير مشروعة عبر بوابة المحاصصة لقوى سياسية نافذة بعد ان افلست تماما من الاستمرار في اتباع سياسة التعشيم وسد خانة العطش الديني الذي يلجا اليه
العراقيون كنوع من التفريغ او العجز عن تحقيق التغيير المطلوب ناهيك عن ارتفاع مستوى المناكفات التي وصلت حد الفضائح التي نشرت غسيلها على حبل المزايدات والتقسيط ما كشفت للعراقيين حجم الخيبة التي تتعاظم كل يوم تلت انشطار فكرة الديمقراطية المنبطحة بتجليات الخيانة الواضحة بعد كل حكومة اثبتت ولاءها للفساد بصورة او باخرى
.
** الانتهاكات التركية والسيادة المغتصبة ..
وما زالت سيادة الدولة تنتهك في وضح النهار امام صمت رسمي غير مفهوم بعد كل قصف يهز اراضيها من جانب طهران حينا وانقرة حينا اخر والتي دكت قبل ايام قليلة قعر الاراضي العراقية في دهوك واودت بحياة العديد من الضحايا المدنيين مايؤكد انه استهداف مممنهج كشف الكثير من الخفايا والملابسات والتي كان اخرها ماصرح به رئيس أركان الجيش العراقي،
الذي اكد حقيقة تزايد حجم القوات والقواعد العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية، وهو أول تصريح ،علني يصدر عن مسؤول خلال جلسة استماع أمام مجلس النواب مبينا إن هناك 5 قواعد رئيسية تركية موجودة في شمال العراق، كما ، يوجد في القواعد أكثر من 4 آلاف مقاتل، وهناك حالة ازدياد وتوغل للأتراك داخل الأراضي العراقية مضيفا كان لديهم 40 نقطة عسكرية في العام الماضي، واليوم هناك 100 نقطة تبعد مسافات قليلة عن مناطق زاخو والعمادية في دهوك.
**التمدد الايراني .. والانتهاك التركي .. شرعية واقعة ..
ورغم ان ايران قد بسطت وجودها في العراق عبر احجي الاثر العقائدي واتقنت منذ بداية الاحتلال الاميركي على العراق من طرح فقه المذهب وتسييس الدين ودروشة المنصب والضرب بيد من حديد لترسيخ عمل تلاميذها ممن تبلوروت شخصياتهم عقودا داخل طهران وقم ليكونوا ادوات ناضجة في تثبيت حبر الانتخاب من وقود الشباب ممن تفاءلوا كثيرا
بنبوءة المذهب وامكانيته في ادارة دفة الدولة وتحقيق ماعجز عنه وهو الامر الذي نجحت فيه طهران بقوة في جعل تاثيرها يبدو لغاية اللحظة مقبولا رسميا بل ويكاد يكون امرا طبيعيا في الكثير من المدن العراقية ..ومابين طهران وانقرة تختلف الرؤى والاهداف فيما تلتقي المصالح عند نقطة الاستحواذ بوضع اليد باثر رجعي تاريخي مابين اصول الولاية العثمانية وطموحات بلاد فارس العريضة ..
إيران تبدو عمليا أقوى بكثير من تركيا نفوذاً، وأكثر بشراً، الفرق بينهما كبير في بديهيات مثل الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان، بل إنّ إيران ذات نفوذ في تركيا نفسها، وتستطيع أن تتغول داخل المؤسسة الحزبية الا ان هذا الحلم قد يسير على فترات ويحتاج الى توقيت وغطاء ليس الا ..

**سلوك الدول في استثمار الوجع ..
وفي مقارنة بسيطة امام سلوك الدول في استثمار الازمات ونجاحها في استغلال الثروات التي تمثل سلاحا فعالا طويل الامد يحميها من خطر الافلاس الامني والاقتصادي .. يقف العراق حائرا مكتوف الايدي في زاوية حرجة ماببن سعيه لبلورة شخصية الدولة المستقلة وبين الخروج من شرنقة ايران ليرتب صفوفه مجددا في حاضنته العربية تجاه السعودية ودول
الخليج ومحاولاته الخجولة في ابرام اتفاقيات مهمة وجريئةربما تنقذه من مغبة التراجع والاستهلاك الذي تستنزفه طهران المحاصرة في سوق العراق الواسعة في وقت تتكلل فيه التجربة السعودية بابهى صورها وهي تواصل انطلاقها نحو التقدم والبناء وترجمة مخرجات الجرأة السياسية في تحديث علاقاتها مع دول المنطقة ما جعل منها مثالا نشطا من خلال سلسلة
التغيير المهول في مختلف القطاعات الامنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ونقل المملكة نقلة نوعية اختصرت لها عقودا من الزمن كانت ترزح فيها تحت وطاة ظلامية االمعتقد وحالة الرقود العسير الذي كبلها عقودا من الزمن .
وتحت عناوين عريضة شملت الاعتراف بخطأ الانسحاب من المنطقة والحاجة الملحة الى النفط .. توّجت زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى الرياض بمحاولة حلحلة العلاقات السعودية الأميركية إلى مسارها الصحيح بعد جمود طويل كان قد أوقف خلالها الكونغرس الاميركي جوانب من الصفقات والتعاون العسكري مع الرياض التي ابرمت ثماني عشرة اتفاقية مع
اميركا دمج قواتها مع الاسطول الاميركي الخامس باستخدام التقنية الحديثة من السفن غير المأهولة والذكاء الصناعي في حماية المجال البحري لها ناهيك عن اتفاق حكومتي البلدين في الشق العسكري والأمني.
خطوات حذرة مهمة لفتت انظار واشنطن الى خطر انسحابها السابق من المنطقة وخطيئة ترك الفراغ لروسيا وايران والمخاوف من تعبئة ذلك الفراغ بمزيد من الهيمنة والبلطجة العسكرية من حانب روسيا او ايران او الصين …
**ممارسات واشنطن في ردع الخصوم ..
اجراءات واشنطن في عودتها الى المنطقة لقطع الطريق على غريمتها روسيا في استهلاك المناطق المنكوبة والمضطربة مثل سوريا والعراق وافراغها من محتوى مايملكونه من ادوات كانت كفيلة باعادتهم الى دفة القيادة لاسيما في الممرات البحرية والجوية التي التهمتها طهران في الفترة الماضية .. كل تلك التحديات الهبت حس المنافسة مجددا وجعلت واشنطن تنتبه الى
قراءة مصالحها اولا قبل تلقين حلفاءها درسا في اداب حقوق الانسان التي تنازلت عنها عند اول منعطف واجهها من خصومها وتحديدا روسيا التي تتلاعب باسعار سوق الطاقة وطوقت سلة العالم الغذائية بمزيد من الرصاص والعنجهية بعد ان تركت فراغها في سوريا وتركت الساحة مؤقتا لطهران التي بدت هي الاخرى متخبطة في تلك المنطقة .
اذ ان توجه واشنطن نحو صناعة الثغرات بين خصومها موسكو وطهران ومحاولة استغلال فرصا من شانها ان تشكل تصدعا او شرخا في شكل العلاقات الروسية الايرانية .. محاولات قد تثري استراتيجيتها لكن قد تشغلها عن تصحيح اخطاءها مع حلفاءها وتستنفذ وقتا اطول في النظر الى اثار الهدم الممنهج قبل ان تعود خالية الوفاض وتقدم تنازلات لرأب الصدع
في بيتها الداخلي الذي يحتاج الى جهوزية عالية مع الارتفاع الفاحش في تكلفة الوقود في الولايات المتحدة التي يعادل استهلاكها من البنزين حوالي ثلث الاستهلاك العالمي خاصة وإن ملف النفط وزيادة الإنتاج وسخاء الامدادات بغرض خفض الأسعار غالبا هو ما يتصدر قائمة أولويات الإدارة الأمريكية، هذا المشهد المعقد ربما يعرض الحزب الديمقراطي لخطر الخسارة في إنتخابات الكونجرس والولايات في نوفمبر المقبل، مع ضعف واضح في موقف بايدن أو أي مرشح ديمقراطي آخر في الانتخابات الرئاسية لاحقا. وامام سياسة الولايات المتحدة الاميركية التي بدات تاخذ اشكالا مختلفة من التباين والتراجع على فترات متعددة بين الحزبين الحاكمين الجمهوري والديمقراطي يقول الكاتب والمحلل الجيوسياسي ميار شحادة : ان سياسة الولايات المتحدة قائمة بالاساس على الثورات المفتعلة وحسن ادارتها وهو سلوك مارسته الادارة الاميركية ليس فقط على دول العالم وانما انطلى على بعض ولاياتها التي كانت تجد صعوبة في اعادة ترميمها او اصلاح بيتها الداخلي فكان اختلاق الازمات فرصة يسيرة لها لاعادة ضبط توازن تلك الولايات ببرامج اصلاحية جديدة , ويواصل شحادة ايضا..على مدى تسلسل الادارة الاميركية منذ عهد الرئيس الاسبق جوج بوش الابن وصولا الى ادارة بايدن الحالية جميعها ادارات اسست لمدرسة المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري التي تمثل حركة شعبية سياسيا وايدولوجيا رغم تبعيتها الى مدرسة شيكاغو الاقتصادية وربما قاد هذا التقارب الى استنساخ فكرة اختلاق الحروب من خلال ابرز تجارها امثال جون بولتون الذي ايد فكرة الحرب على العراق حينما كان مستشارا للرئيس الاسبق بوش الابن بعد فترات حرجة من التعثر ثم الانهيار شهدها الحزب الجمهوري ابان عهد الرئيس بوش الاب الذي قاد مرحلة مهمة وعسيرة للجمهوريين بمنهج بالقوة والرصانة بحكم سياسته المتوازنة ودعمه المؤسسي بين مصالح رؤوس الاموال و النهج السياسي لاستراتيجية البلاد قبل ان ينهار الحزب بسبب تقاطع الرؤى والمصالح بين ادارة المؤسسات و ادارة الرئيس بوش الاب .وفي ظل حالة التوتر والاضطراب داخل البيت الديمقراطي يؤكد الباحث ميار شحادة ان الحزب الديمقراطي الذي شهد اقصى حالات تعثره وانهياره مع فضيحة الرئيس الليبرالي الاسبق بيل كلينتون ثم اليساري
باراك اوباما الذي تمكن بذكاءه السياسي من الالتزام بخطة رؤوس الاموال الممولة التي قدمت اوباما كرمز للاقلية السوداء واعتلت سلم الجندرية بتهميش المراة من خلال هيلاري كلينتون وحق المراة في تولي مناصب سيادية عليا تكمل مسيرة حقوقها في المجتمع الامر الذي عزز كفة اليسار الديمقراطي للسيطرة على مقدرات الحزب وتمويل شركات الاعلام التي تغطي فعاليات ونشاطات الحزب المختلفة في وقت شهد فيه الحزب سياسة الصحوة اليسارية او صحوة الحقوق التي شكلت بدورها حدثا فاصلا في مسيرة الديمقراطيين .
**حالة التخبط وخطوات محسوبة العواقب ..
ولعل حالة التخبط في امكانية ترميم البيت الداخلي الاميركي وبحسب شحادة الذي يؤكد ان الامر يعود الى سوء الاجراءات التي رافقت المؤسسات الاميركية التي وجدت نفسها امام مشهد الاطاحة بالرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان يمثل قوة راسمالية رغم افتقاره بعلم دهاليز السياسة التي كانت تدفعه بين الحين والاخر الى تقديم نفسه كمستقل منذ بداية
ترشحه بعيدا عن الحزبين قبل ان تطيح به المؤسسة الاميركية وتلجا الى اختيار مرشح ند ضعيف ممثلا ببايدن رغم علمها بمستوى الاضطرابات الجسدية والنفسية والصحية التي يعاني منها وذلك في محاولة منها للجم زمام اليسار ماجعلها امام منعطف خطير قد يشتت العقد المجتمعي او يعيد ترتيب اوراقه من خلال المحكمة الدستورية. تحديات كثيرة اثيرت في الداخل الاميركي تتعلق بتمويل المراكز غير الربحية والمادة رقم 230 المتعلقة بحماية مواقع التواصل الاجتماعي من اي اراء متطرفة اضافة الى قضايا اخرى تتعلق بحقوق الاقلية السوداء اضافة الى مشكلة الاجهاض وحرية الافراد والجدل حول قانون الاعدام جميعها ملفات ساخنة شهدت تعديلات منذ قرابة العقدين من الزمان ناهيك عن حالة الغليان التي تشهدها تكساس في سعيها للانفصال من خلال استفتاء شعبي ينطلق في مطلع 2023 الامر الذي قد يفتح
النار ويضع البلاد في اتون حرب اهلية لاتحمد عقباها .. جميعها تحديات تدفع بواشنطن ومن خلال انتخابات نوفمبر القادمة الى ضرورة عودة الجمهوريين مجددا الى الساحة واعادة
تموضع اميركا من خلال صيانة عقد مجتمعي جديد يخلق حالة من الاستقرار السياسي والرضا الشعبي والهدوء النسبي في البلاد وامام كل هذه المعضلات والاضطرابات التي يواجهها البيت الابيض يبقى السؤال مطروحا .. هل فكرت قيادات المنطقة
ومواجهة التهديد الايراني ببناءاستراتيجية دفاع مشتركة واتفاقيات أمنية تحت غطاء واشنطن كشريك داعم وفق سياسة تبادل المصالح المشتركة ومواجهة فعاليات طهران وروسيا من جهة وتركيا من جهة اخرى بدلا من الانشغال بقراءة خطايا الانظمة السابقة وترك العراق وحيدا
ممزقا من الداخل وفريسة سهلة للانتهاكات المتعددة و ساحة مشتعلة لمبارزة الخصوم واجتماع الفرقاء على وليمة لاتنفذ..