المسلسلات التركية.. دراما موغلة في التفكك والإنحراف المجتمعي

المسلسلات التركية.. دراما موغلة في التفكك والإنحراف المجتمعي
المسلسلات التركية تستخدم أسلوب ( دراما المتاهات) و (الإنشطار المتناهي) والسريع لأحداث أغلب مسلسلاتها الدرامية الطويلة

(بغداد- آشور) حامد شهاب ..
تشكل المسلسلات التركية ، والدراما الموغلة في (الإثارة) و(الترغيب) و(الهيمنة) التي ترافقها في الإنتاج الفني الغزير والعرض المتقن الأداء ، أحد أهم تشجيع مظاهر التفكك والإنحراف السلوكي والمجتمعي في المنطقة العربية بوجه عام ، وفي العراق بوجه خاص، وتعد برغم الدراما المثيرة التي تسحر قلوب الملايين من مشاهديها في المنطقة ، من أخطر ما تشيعه من مظاهر (الإنحراف المجتمعي) بين الكثير من ثنايا حلقاتها وأجزائها ، التي تتجاوز في كثير منها الأربع أو خمسة أجزاء، ومئات من الحلقات شبه اليومية، وعبر فضائيات عربية وأجنبية مختلفة ، حيث لم تعد أمام العائلة العراقية والعربية الا الإقبال الواسع عليها ، والشغف والتلذذ بما تقدمه من مسلسلات مبهرة!!
ويمكن أن نضع جملة ملاحظات ومؤشرات عن توجهات ومضامين الدراما في عشرات المسلسلات التركية التي تعرض حاليا ، أو عرضت قبل فترة ، وما تتركه من تأثيرات خطيرة على مستقبل أجيالنا ، وهي تعرض حياته لمخاطر الفوضى والإنفلات والتفتت والإنحلال المجتمعي.. وكالآتي:
** يلاحظ أن أغلب مضامين وتوجهات المسلسلات التركية ، أنها تركز على الترويج لسلوكيات وتقاليد مجتمع بلادها ، الذي يشهد منذ فترة ليست بالقصيرة، (إنفتاحا كبيرا) على قيم الغرب وممارساته ، ترافقه حالات إنفلات و(تطور مجتمعي) وتدهور في السلوك هو الآخر .. وفي كثير منها لايتفق حتى مع أعراف المجتمع التركي نفسه ، الذي تغلب عليه قيم (الهوية الإسلامية) ، في وقت كان المتعارف عليه ، حتى قبل سنوات، أن هناك (توافقا) بين أغلب توجهات أبناء المجتمع التركي مع العادات العربية الإسلامية وتقاليدها الإيجابية في كثير من الأحيان..التي إستقتها من حضارة بلادها العريقة ، إمتد تراثها الإسلامي العربي في منطقتنا لقرون .. إضافة الى أن من بين أهدافها ، وهي محقة في ذلك، أنها تهتم بتشجيع مظاهر تاريخ بلدها وحضاراته، وتقديم (صورة سياحية ودعائية) مبهرة عن مدن تركيا السياحية ، لإستمالة ملايين المشاهدين من دول المنطقة ، لأن تكون بلادها قبلة للسواح والراغبين بالإقامة فيها ، لما تقدمه من نماذج حياة وصور خلابة عن الحياة في بلدها وأساليب عيش متطورة ، وهو مضمون إيجابي وأمر مقبول، كما ذكرنا، وليس لدينا مآخذ عليها، لو إقتصر أهتمامها على هذا الجانب.
** تمتاز دراما المسلسلات التركية بإستخدام أساليب (الاثارة) و(التشويق) و(المتعة) الى أقصاها ، يرافقها إخراج فني ودرامي بارع ومتقن ، يرغم ملايين المشاهدين على متابعتها ، وهم مبهورون في تقديمها عروضا غاية في البراعة والإتقان في إختيار النصوص والمشاهد الدرامية الطويلة الأمد ، وإهتمامها بعرض الأحداث المثيرة للغرائز والرغبات ، وفي تناول قصص وسلوكيات إجتماعية وتاريخية ، لمتابعة المزيد من أجزائها وحلقاتها ، بلا كلل أو ملل.

** وما يشجع هذا الإقبال الكبير على مشاهدتها ، أنها تكاد تكون ( المهيمنة) على الإنتاج الدرامي في المنطقة، بعد أن شهد الإنتاج التلفزيوني العربي (تراجعا كبيرا) في مستويات إنتاجه وعرضه لمضامين يمكن أن ترتقي الى هذا المستوى الفني المدهش ، والذي يرغم الملايين من الجمهور العربي على الأقل على مشاهدته ، لعدم وجود أعمال درامية عربية (منافسة) أو (بديلة) ، سواء كان منها المصري أو السوري والخليجي ، يمكن أن يقنع المشاهد العربي ، بأن بمقدوره أن يرى أعمالا عربية دراميا ، ترتقي الى آماله وطموحاته ، والتطور الفني والدرامي الهائل والمتسارع للمسلسلات التركية ، التي لاتترك للمشاهد العربي فرصة العزوف عن مشاهدتها ، أو الإنتقال الى دراما (بديلة) ليست متوفرة أصلا ، ولم يتبق امامه إلا أن يرضخ لعروض المسلسلات التركية بكل إيجابياتها ومضامين سلبياتها الخطيرة أحيانا على السلوك المجتمعي العربي بوجه عام.
** تكمن الأهمية الكبرى للمسلسلات التركية ، إجتماعية كانت أم تأريخية، أو حتى سياسية بإطار تاريخي، أنها تقدم دراما تتسم بـ (الإنشطار المتناهي) والسريع لأحداث أغلب مسلسلاتها ، في صورة تشبه الى حد ما يمكن أن نطلق عليه بـ (دراما المتاهات اللامتناهية ) من تقلب الأحداث وانشطارها وتشعبها، وهي تغرق حد الملل أحيانا في عرض تفاصيل الأحداث حتى وإن كانت (هامشية) وتحولها الى عمل فني مقبول لدى المشاهد ، وتمتاز بأن لديها القدرة على تحويل كل سلوك أو حكاية أو مشهد صغير الى حلقة بأكملها ، تضع المشاهد في حيرة من أمره، حيث ما أن يخرج من سلوكيات حالة معينة في مسلسل بعينه، حتى يرى تشعبات وإنتقالات تفرعية كثيرة ، وكأنه فعلا أمام مشاهد (متاهات) من الأحداث لانتهي أو تنقطع ، وليس بمقدور المشاهد أن يخرج منها ، ويبقى مرغما بمتابعة كل تطورات الحلقات وإنتقالاتها السريعة والمفادئة ، وتداخل أحداث الدراما المشوقة داخلها، ويبقى لأسابيع وشهور طويلة وهو يتابع احداث أكثر من مسلسل ، دون أن يكون بمقدوره أن يغادرها ، إلا عندما يكمل متابعة تلك المسلسلات التي دخلت ضمن ساحة إهتمامه بشوق لاينقطع لمتابعة أحداثها ، وما تريد التوصل اليه من نهايات وحقائق في نهاية المطاف.

** لكن الشيء الأخطر الذي يمكن أن نسجله على مضامين أغلب تلك المسلسلات هو أن سلوكيات أغلب أحداث السلسلات التركية ، لا تتفق مع سلوكيات المجتمع العربي، وفيها (مظاهر إنحراف) سلوكي مجتمعي خطير، يؤدي الى هدم القيم العربية والإسلامية ، بل وتشجيع مظاهر الإنحراف المجتمعي والجريمة التي تطغي مظاهر القتل والسرقة والمغالاة في تقديم مظاهر الجنس والعلاقات غير الشريفة بين أغلب شخصيات تلك المسلسلات، وبما يؤدي الى زرع حالة من القبول بتلك المظاهر وإشاعة فواحشها ، وأصبحت مظاهر سلوكية تقبل عليها الفئات الشبابية ومن النساء من كل الأصناف والأعمار ، التي تتابع عشرات المسلسلات التي تحتوي على مضامين هابطة وهدامة ، ربما تتجاوز حتى سلوكيات الإنحراف في المجتمع الغربي في بعض الأحيان، وتترك تأثيراتها الكارثية على كثير من العلاقات داخل العائلة العراقية والعربية عموما ، وهي تزرع حالات من الشك والريبة وتقليد السلوك الأعمي لأحداث تلك المسلسلات وما ينتج عنها من مشكلات تكاد تكون شبه يومية بين علاقات الأوزاج وما بين الشباب من الجنسين ، وشجعت حالات الطلاق والإفتراق بين الأزواج، بعد أن سمحت لعلاقات غير مألوفة ، تغزو عالمنا ، وهي تشيع مظاهر الإنحراف السلوكي ، وهي سمات ومضامين لاتتفق في كثير منها مع قيم مجتمعنا العربي والإسلامي ، إن لم تكن (تتنافر) مع كثير منها ، ومع تلك المضامين الهدامة ونوع العلاقات الشاذة التي تطرح بين ثناياها، حتى تحول السلوك الإيجابي الى سلوك منحرف في نهاية المطاف.
** ويشكل غياب أعمال فنية عراقية وعربية ، كما ذكرنا ، أحد هذا الإقبال المنقطع النظير على المسلسلات التركية ، التي وجدت فيها كثير من القنوات المصرية المتخصصة بالدراما وقنوات خليجية عربية وحتى عراقية فرصتها لأن (تهيمن) المسلسلات التركية على ما تعرضه الشاشات العربية من أعمال دراما ، تكاد تكون (تقليدية) لاجديد فيها ، وهي تكرار لمضامين أعمال سابقة ، ولم تواكب التطور المجتمعي ، وهي في كثير منها رتيبة ، ولا تخلو هي الأخرى من تشجيع مظاهر الإنحراف السلوكي ، وبخاصة في المسلسلات الخليجية، التي راحت تمعن للأسف الشديد في تقليد مظاهر الإنحراف السلوكي ، وتشيع الفاحشة بين مضامين أغلب تلك المسلسلات، وهي تتحول فيما بعد الى تقليد أعمى، وبخاصة للنساء والشباب من الجنسين وبدرجة أقل بالنسبة للرجال، الذين راح البعض منهم ينغمس في ملذات تلك الترويجات الخارجة عن الذوق والاخلاق العربية.
** لقد كشفت أحداث الزلازل الأخيرة التي إجتاحت مناطق في جنوبي تركيا وفي إسطنبول ، أن تركيا مقبلة على تدهور مجتمعي وأقتصادي، أكثر خطورة ، قلل كثيرا من دور تركيا الأقليمي في المنطقة ، وقد تخسر كثيرا موقعها السياحي الكبير والذي يدر عليها المليارات من الدولارات من مواطني دول المنطقة ومن يرومون العيش والإقامة فيها ، بعد أن تحولت معظم مدنها الجنوبية الى ما يشبه الركام، ومن شأن تلك الزلازل والهزات الأرضية ، أن تخرج تركيا من دائرة (الهيمنة الأقليمية) وتضعف من محاولاتها (البحث عن الدور والمكانة) ، لكنها مع كل ذلك ستسعى الى إستعادة هذا الدور بأية طريقة ، وسوف يكون الإنتاج الفني الكبير للمسلسلات التركية إحدى تلك الروافد التي تغذي إقتصاد تركيا وتنعش أحوالها ، ودعاية لبلدها ينبغي أخذها في الحسبان ، ضمن تفكير وواضعي خطط نهضتها ، ومن يرسمون معالم مستقبل بلادهم وإزدهار إقتصادها في المنطقة.
هذه بعض سمات وخصائص ومؤشرات ونتائج ما تمثله المسلسلات التركية من مظاهر (هيمنة) على مقدرات العائلة العراقية والعربية عموما ، وتنجم عنها مظاهر سلوك غريبة ، وهي تترك، وكما أشرنا، تاثيرات غاية في الخطورة على سلوكيات أجيالنا ومجتمعاتنا، لاتتفق مع قيمها وتراثها وأعرفها ، بكل تأكيد، وتتطلب من المختصين والقائمين على الشأن الثقافي والقيمي والأخلاقي والفني في العراق وفي الدول العربية إعادة النظر بسياسات الإنتاج الفني وتشجيع تقديم عروض مبدعيها من المنتجين وكتابنا القديرين ، وكل ما هو إيجابي من مسلسلات عربية وعراقية متقنة الإعداد والسرد ، وبما يرتقي بها الى مستوى الطموح، ويتوافق مع رغبات وأمزجة وتقاليد مجتمعنا، ودعمهم بكل وسائل الدعم الممكنة ماديا ومعنويا ، وتشجيع الكتاب والفنانين والمخرجين ورجالات القطاع الخاص على إنتاج مسلسلات ترتقي الى حجم هموم وآمال ورغبات المواطن العراقي والعربي ، لكن المشاهد العراقي والعربي عموما ، يبقى مرغما على متابعة المسلسلات التركية، كونها تتبع إسلوب (الإثارة المرغوبة) الى أقصاها، وتجعل المشاهد مرغما على متابعتها ، لعدم توفر (البديل العربي) عما تقدمه المسلسلات التركية من أعمال درامية وتأريخية مثيرة للإهتمام .
