الإنتاج المعرفي والمؤامرة

الإنتاج المعرفي والمؤامرة
الإنتاج المعرفي والمؤامرة
بقلم / د. شادي الكفارنة
بيّنتْ العولمة التحولات العميقة على النظام العالمي الذي أصبح مطالباً بمواكبة التقدم التكنولوجي، والثورة الرقمية وانفتاح الأسواق، وصارت محدداتها ممثلة في السرعة والتشبيك والتنافسية والمعرفة التي تعتبر القوة الناعمة لإنجاز القفزات النوعية في سلم الأمم، لهذا تتسابق الدول على إرساء الأسس المتينة لمجتمع المعرفة القادر على توظيف العلم وتحقيق الغايات عبر تعزيز الابتكار والإنتاج، والذي يحسن تطوير كفاءات الإنسان في التنمية الشاملة، لذا زاد الاهتمام بالإنتاج المعرفي من خلال الاهتمام بالمنصات المنتجة لهذه المعرفة، سواء هذه المنصات مجتمعة أو منفردة في تقديم بناء مجتمعها، وتنشئة أجياله على حب العلم والمعرفة، وأوليات البحث العلميّ الحقيقيّ، والتي تأتي على رأسها الجامعات، ومراكز الدراسات والأبحاث، وما ينتج عنها من إنتاج معرفي، وبراءات اختراع.
ليس البحث العلمي المفقر الذي سبق وأن رأيناه وشاهدناه في بعض مؤسساتنا وجامعاتنا التي استغرق القائمون عليها بالتسييس وتغليب المصلحة التجارية الخاصة وأهملوا وظيفتهم العلمية الرئيسة في إقامة مجتمع النهضة العلمية، وأن تتوّجَ الأبحاث العلمية ببراءات اختراع وابتكارات عملية تخدم المجتمع، ولا تبقيه حبيسة الأدراج والمكاتب، وأن تأخذ زمام المبادرة لبداية طريق النهضة والازدهار بالاهتمام بالمنصات المنتجة للمعرفة وليس فقط بالتمني.
إنّ الكثيرين يحاولون دائماً إلقاء اللوم على الظروف التي تحدق بنا من كل حدب وصوب، ويقولون بأنّ من أهم أسباب تأخر الإنتاج العلمي هو حيلولة الاحتلال والغرب عموماً لا إهمال العقل وتأخر الإنجازات المعرفية، يعني بصورة أخرى عدنا لنغمة المؤامرة وعقليتها، وإسطوانة الدسائس؛ لتبرير فشلنا وعجزنا الذي نعيشه ونقبع في داخله، للهروب من استحقاق عملية التغيير.
حقيقةً نحن لا ننفي وجود المؤامرة، فهي قائمة وموجودة منذ زمن، وإنّها لا تكون فجأة بلا مقدمات وعوامل جذب ذاتية داخلية، لكننا ما زلنا نلقي التهم على الآخر؛ لتبرير واقع عجزنا عن البناء والإنتاج والمعرفي، ولو بقيت الدول والأمم تشتكي من تآمر بعضها على بعض لما تقدمت على كل المستويات والأصعدة، ولا بدّ أن ندرك أنّ دوام الحديث عن وجود المؤامرات في مجتمعنا سببٌ لتأخرنا العلمي والحضاري، وهو بحد ذاته أكبر مؤامرة على العقل الإنساني، وهو نوع من الهروب والاستقالة من واجب ومهمة العمل والبناء.

لقد بات عقلنا للأسف مستغرقاً في نظرية المؤامرة حتى أنّه بات عقلاً مؤامراتياً اتهامياً، يلقي مسؤولية الفشل على كاهل الآخر المتآمر دوماً، وقد تناسى –هذا العقل- مشاكله الذاتية وتعقيداته التاريخية وأزماته الهائلة الداخلية، وتلهى فقط بنظرية المؤامرة وحكاياتها والمخططات التي يحيكها الآخرون لنا، مع أنّهم يغلب عليهم النجاح علماً وعملاً، ونحن ما زالت إخفاقاتنا مستمرة، ومعرفتنا العلمية كادت أن تكون قشرية، وحداثتها ضعيفة.
ويبقى ناقوس الخطر يدق طالما أننا لم نمتلك الجرأة الفكرية والمعرفية والمسؤولية الأخلاقية العالية، ولن تدور عجلة التنمية المنشودة إطلاقاً في مجتمعنا على الصورة الأنجع والأنفع، وسيبقى الإنتاج المعرفي سطحياً على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وسنستبعد من مواقع الإنتاج المعرفي والتكنولوجي العالمي، لأنّ العالم يسير بسرعة مطردة في إنتاجه المعرفيّ.
وهنا لا نغفل عن العقول الرصينة، وأصحاب الإنتاج المعرفي الحقيقي في هذا المجتمع، والذي لا بدّ من إطلاق العنان أمامهم، وإتاحة بيئة مستقرة مناسبة لهم، يأخذون فيها حقهم ويتاح لهم الدور في إنتاجهم الفكري، ليكونوا أكثر إنتاجاً وإنجازاً.
ويبقى السؤال …
هل الإنتاج المعرفي يتمحور في الحصول على شهادات فخرية تُمنح من هنا وهناك أم أنه الحصول على الرموز (أ ، د ) لتحقيق الوجاهة والألقاب الاجتماعية دون معرفة علمية أو حتى إنتاج فكري ؟ وهل هذا ضمن المؤامرة؟.