الأدباء بين زمن التنوير والحاضر المؤلم

الأدباء بين زمن التنوير والحاضر المؤلم
الأدباء بين زمن التنوير والحاضر المؤلم
بقلم الباحث : سردار سنجاري
ظاهرة التنوير التي انبثقت من أوروبا الغربية بعد ثلاث مراحل أساسية مرت فيها أوروبا في الفكر الأوروبي وكانت إيطاليا آنذاك تتصدر هذه الظاهرة و الفكر وتبنته هولندا وانكلترا فيما بعد حتى تم تعميمه على كافة الدول الغربية الأوروبية . وسمي العصر الأخير بعصر التنوير حيث سبقته العصور الوسطى التي كانت تعتبر عصور الظلام في أوروبا وقامت من اجله ثورات فكرية متعددة سميت بثورات النهضة الفكرية وسمي العصر آنذاك بهذا المسمى ( عصر النهضة ) .
اليوم أوروبا دخلت مراحل متقدمة من تعزيز الفكر الإنساني الذي هو نتاج تقدمها في الفكر الثقافي والأدبي ، لان الانسانية مهما كانت مفرداتها متواجدة في التعاليم الاجتماعية والدينية وغيرها الا انها تفقد معانيها الحقيقية في الممارسة الفعلية اذا لم ترافقها المبادئ الثقافية والفكرية لتطويرها وديمومتها كما هو حاصل اليوم في الغرب .
ان مجتمعاتنا الشرق اوسطية عموما ومنها المجتمعات الأفريقية المتقاربة بالفكر والعادات والدين من المجتمعات الشرق اوسطية تعاني أزمة الثقافة في مجملها ، في الوقت التي نرى فيه العديد من الأدباء والشعراء والمفكرين والباحثين من مختلف المكونات العرقية والدينية الذين لديهم الإمكانيات الكبيرة والمميزة والتي تعتبر في العديد منها كفيلة بالالتحاق بمركبة عصر التنوير الذي تسير فيه أوروبا اليوم .
اذا ماهي الحلول التي يجب ان نقف عليها كمثقفين وأدباء وفنانين وأكاديميين وباحثين في البحث عن مخارج من هذه الحالة المظلمة للفكر الأدبي والثقافي التي نعيشها في مجتمعاتنا اليوم ؟
لو عدنا الى أوروبا ومراحلها التي يمكننا الاستفادة من تجربتها لانها اثبتت نجاحها على كافة الأصعدة فاننا سنرى كيف حصلت القطيعة الكبرى في تاريخ الفكر ، ومعها الاستقلالية الكاملة للعقل بالقياس الى النقل ، وبالفلسفة بالقياس الى الدين ، ومن هم هولاء الفلاسفة والمفكرين الذين كانوا ابطال هذا التحول وكيف كانت سيرتهم ، وكيف تم الانتقال من الفهم القرون الوسطى او حتى الظلامي للدين الى الفهم العقلاني للدين نفسه .
ان تهميش دور الأدباء والمفكرين في يومنا هذا لم يأتي عبثا حيث اننا كنّا في الثلاثينيات حتى نهاية القرن الماضي نسير في طريق بناء الفكر الثقافي للإنسان لولا الأحداث المؤسفة التي وقعت في المنطقة من عدم الاستقرار السياسي وتدخلات خارجية قادت المنطقة الى اعتماد فكر وثقافة واحدة وهي فكر الاخ الأكبر اَي فكر القوي في العديد من الدول العربية والشرق اوسطية ، مما جعل ثقافة الشعوب تختصر من عدة ثقافات متنوعة كان لها ان تكون فسيفساء الثقافات العالمية بغناها الحضاري والتاريخي وتنتقل من حالة الركود الفكري الى حالة التنوير ومد جسور الفكر بين الشرق والغرب لتأسيس حضارة إنسانية متكاملة .
ان دور الأدباء في ثورات التنوير العالمي كانت الاساسية والأكثر أهمية آنذاك ، حيث ساهم ابرز المفكرين ومن ابرزهم فولتير، وجون لوك، وتوماس هوبز، وديفيد هيوم، وجون جاك روسو، وآدام سميث، وإمانويل كانط، وإسحق نيوتن وتوماس جيفرسون. وهؤلاء هم الذين وضعوا البنية الاساسية لانطلاقة الفكر التقدم العلمي والثقافي الذي ضمن للإنسان كرامته وحقوقه الانسانية.
اذا كانت الدول الشرق اوسطية وغيرها تحاول تهميش دور الأدباء والمفكرين فان هذا يعني ان تلك الدول لا ترغب في الانتقال من البداوة الى الحضارة او من الظلام الى النور ، فلا تقدم يذكر في اَي مجال من دون ان يكون للأدباء والمفكرين والشعراء والفنانين دور هام في رسم المعالم الحضارية للدولة وشعبها .
خلال عصر التّنوير، كان هناك تركيز أكبر على المناهج العملية وعلمنة التعليم، والتسامح الدّيني، والتعليم العام، والحريات الشخصية ، والعقلانية ، والفصل بين الدين والدّولة . وهذه أسس ثابتة اذا تم الالتزام بها في بلداننا فاننا ربما نستطيع ان نقول باننا وضعنا أولى الخطوات بالاتجاه الصحيح لبناء الدولة الصحيحة، وضمان الحريات والتوجه الجديد نحو الانسانية والمجتمع المشترك ، ولكن وما تشهده الساحة اليوم من احتقانات سياسية وعسكرية وعدم تقبل الاخر ، فاننا على مسافة بعيدة جدا من تحقيق هذه الخطوة .